السؤال.. أنا طالب في الصف الثالث الثانوي، وبعد شهر تقريباً سأتخرج إلى الجامعة، وأنا في حيرة من أمري، لا أدري أين أذهب! وقبل أن أتكلم عن التخصص أنا لا أدري لماذا لا أتكلم وأعبر عما في نفسي من قول أو بحث عن الجامعات والتخصصات، وكأني في غفلة، فبعد خمسة أيام من الآن أهلي سيذهبون إلى خارج المملكة، وقد يغيب أبي قرابة السنة وأمي قرابة الشهر، وأنا هنا أحس بأني في الوقت الضائع، فبدأت أتحدث، لكني أبكي! أصلي الوتر وأبكي، أتحدث مع نفسي وأبكي، وهنا مشكلتان الأولى صموتي، والأخرى ذهاب أهلي.
أعود إلى التخصصات، فأنا حاصل على معدل عال في المدرسة، لكن في القدرات نسبتي (82) وتبقى لي اختبار أخير بعد أسبوع، وتبقى الاختبار التحصيلي الذي لو حصلت على أقل من (85) ستعتبر إهانة لي، لأني حاصل على معدل عال في المدرسة.
أما بالنسبة للتخصصات فأنا في حيرة بين الطب والهندسة، فقد كنت أرغب بالمعمارية، لكن سوق العمل مليء وليس فيه إبداع، فكيف أحدد ميولي؟ وكيف أتخلص من التردد والخوف؟ وهل أبتعث إلى الخارج أم أبقى بين أهلي وأصحابي؟
ساعدوني أثابكم الله.
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمن الطبيعي جدًّا أن يصاب الإنسان أحيانًا بالتردد في مرحلة عمرية معينة، خاصة في المرحلة الدراسية ما بين الثانوية والدخول إلى الجامعة، والهموم والقلق الذي أصابك يواجه الكثير من الناس، وهذا نعتبره من الظواهر الطبيعية جدًّا، وهو جزء من الطاقة النفسية التي تتسم بها هذه المرحلة العمرية والأكاديمية.
المطلوب منك أن تثق في مقدراتك، ومن الواضح أنها مقدرات جيدة جدًّا، والتفكير في الحصول على أقل من خمسة وثمانين ستعتبر إهانة، هذا ليس تفكيرًا جيدًا، فما وجه الإهانة في هذا الأمر؟ هذا تفكير سلبي مرفوض تمامًا، فاجتهد وثابر وادرس، وإن شاء الله تعالى سوف تتحصل على الدرجة التي تقنعك وتقنع أهلك وتساعدك في تحديد مسارك المستقبلي.
الهموم التي أوردتها أن والدك سوف يغيب قرابة السنة وكذلك والدتك، هذه الأمور الآن طبيعية في الحياة، فالتواصل بين الناس الآن سهل جدًّا، وغياب والدك من المملكة لا شك أنه قد يتطلب هذا، - وإن شاء الله تعالى - يكون عائده إيجابيًا على والدك وعلى أسرتك كلها.
أنت ذكرت أنك تبكي حين تصلي وتتحدث مع نفسك وتبكي، ما هو سبب البكاء؟ أنا لا أرى سببًا أبدًا، ليست هنالك أمور كارثية، كما ذكرت لك هذه مرحلة عادية جدًّا، وأنت لديك المقدرات ولديك الثقة في نفسك، فلا تترك أي مجال لهذا الفكر السلبي كي يسيطر عليك.
بالنسبة لاختيار التخصص: من الجميل جدًّا أن يطلب الإنسان ما هو أفضل، وأن يسعى لما هو أحسن، ولا أعتقد أن اختيار التخصص في حد ذاته من أجل التخصص يجب أن يكون هو جوهر الأمر، إنما جوهر الأمر ما هو التخصص الذي يمكنني أن أنجز فيه؟ أما حاجة السوق وهذه الأمور لا أعتقد أنها ستكون سببًا لتعطيلك أو لشل تفكيرك، الطب ممتاز وكذلك الهندسة وكلاهما من التخصصات الجيدة والواعدة جدًّا، لكن فقط تتطلب المثابرة والإجادة، وأن يبحث الإنسان دائمًا نحو المعالي في الأمور، ولا يقبل بالدونية، وأن يكون اليد العليا، والهندسة المعمارية على العكس تمامًا، أنا أرى أنها ربما تكون أفضل من دراسة الطب، ومهما امتلأ سوق العمل فالإنسان يمكن أن يميز نفسه ويبدع ويضيف إضافات جديدة، والأرزاق بيد الله تعالى.
للتخلص من التردد عليك بالاستخارة فهي مهمة جدًّا، فعليك بها وبنية صادقة وبالقناعة التامة أنها فعلاً هي المخرج من التردد، وبما أنك استشرتنا فنحن نقول لك: كلا التخصصين ممتاز، سوق العمل - إن شاء الله - مفتوح ومتوفر، بعد ذلك عليك أن تكمل الأمر عن طريق الاستخارة.
هل تبتعث إلى الخارج أم تبقى بين أهلك وأصحابك؟
أقول: ابحث عن المكان الذي سوف تتلقى فيه أطيب المعارف، وأحسن المعارف وأحسن العلوم وأحسن الدراسة، فإذا كان الذهاب للخارج سوف يعطيك الفرصة الأفضل من ناحية الحصول على الدرجة العليا التنافسية فاذهب إلى الخارج، وكل دول العالم الآن تجد فيها المسلمين وتجد فيها الشباب الملتزمين، ويمكن للإنسان أن يعيش حياة سعيدة وجيدة ومنضبطة وملتزمة، فالاختيار يترك لك في هذا المجال، والمهم هو إذا وجدت أفضل الفرص فيجب أن تستفيد من الفرصة الأفضل.
أنصحك بترتيب الزمن وإدارته بصورة جيدة، خصص وقتاً للراحة، ووقتاً للرياضة، ووقتاً للترفيه عن النفس، ووقتاً للقراءات المفيدة، ووقتاً للعبادة، ووقتاً للدراسة.
طاقاتك النفسية وطاقاتك الجسدية من الواضح أنها متواجدة، وهي الرصيد الرئيسي بالنسبة لك، والإنسان إذا لم تكن له قاعدة وأساس ينطلق منه هذه هي المشكلة، لكن أنت لديك هذا، فأنت في بدايات سن الشباب ولديك الأسرة، ولديك - الحمد لله تعالى - الدين، فما الذي ينقصك؟ هذه الأمور التي تقلقك هي أمور عادية جدًّا، وأنا سعيد أنك قلق ومتردد، لأن القلق والتردد هو نفسه طاقة إيجابية جدًّا، فقط وجهها في الاتجاه الصحيح.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.
الكاتب: د. محمد عبد العليم
المصدر: موقع إسلام ويب